كل مايتعلق بدار الحجر .. تحفه شموخ الانسان اليمني

جنتان عن يمين وشمال
دار الحجر.. تحفة معمارية وقصة عبقرية


قصر الحجر يمثل تفوقا معماريا ويحكى قصة التكيف مع الطبيعة

يقع على الضواحى الغربية للعاصمة اليمنية صنعاء
وادى ضهر الشهير الذى اتخذ من اللون الأخضر شعارا له
حيث تنتشر البساتين ملتفة كالطوق
حول أعجوبة من عجائب الفن المعمارى اليمني.

انه قصر الحجر الذى يمثل تفوقا معماريا
ويحكى قصة التكيف مع الطبيعة
وتحويل عوائقها إلى تحف من صنع البشر..

كل ذلك يتجلى لزائر وادى ضهر
وهو لم يزل فى قمة الجبل حيث ينتصب قصر شامخ
على قمة صخرة عظيمة فى قلب الوادى المحاط بأشجار الفاكهة

وتعود شهرة الوادى
كما يروى إلى العصور الغابرة
كما تشير النقوش التى تنتشر على صخور الوادي
والتى قادت علماء الآثار للاستنتاج إلى أن الوادى قد أستوطن فى عصور
ما قبل التأريخ

ويعود أول ذكر لوادى ضهر إلى
"القرن السابع قبل الميلاد"
كما جاء فى نقش النصر الشهير
الذى كشف عن مرحلة هامة من مراحل التاريخ اليمنى
والنقش اكتسب أهميته كون الذى قام بتدوينه "كرب إل وتر بن ذمار علي"
مكرب سبأ
حيث تشير النقوش إلى أن الوادى ضهر فى ظل ازدهار دولة سبأ
ضمن نطاق أراضى قبيلة "ذى مأذن"..

سُمى دار الحجر بهذه التسمية نسبة إلى الصخرة التى شُيّدت عليه الدار.. وقد اختلفت الروايات حول عمر هذا القصر الشامخ ويحكى أن عمره يعود لما قبل الإسلام غير أن هناك إجماعا على أن هذا القصر أو "الدار" كما يسميها أهل اليمن قد تعرضت لعدة مراحل من الهدم والتشييد.. حيث تهدمت الدار بشكل كامل فى فترة حكم الأتراك فى اليمن بسبب الأمطار الشديدة وتم أعادة بنائها على يد الإمام المنصور ليتخذ منها سكنا له وهى عادة دأب عليه الكثير من ملوك اليمن فى الفترات المتأخرة غير أنهم جعلوا من الدار سكنا للنزهة وليس محلا دائما للإقامة كما كان سابقا وكما هو الحال مع الإمام يحيى الذى قام بترميم الدار وإضافة بعض المرافق إليها مثل "المفرج" وهى الغرفة التى توجد فى أعلى الدار ويمكن من خلال نوافذها مشاهدة الوادى من مختلف الجهات..

يحكى كذلك أن الدار بناها فى أواخر "القرن الثامن عشر الميلادي" على أنقاض قصر سبئى قديم، كان يعرف بحصن "ذو سيدان"، العالم والشاعر "على بن صالح العماري" والذى كان عالما وأديبا، واسع المعرفة، متعدد المواهب، وقد كان متفردا بعلم الهندسة والفلك وقد أستوزره "المهدى عباس"، ثم عمل مع أبنه "المنصور علي" الذى حكم فى الفترة 1189 – 1224 هجرية.

واشتهرت دار الحجر كذلك بواديها الخصب وثمارها النادرة حيث يقول المؤرخ الشهير الهمدانى فى كتابه "صفة جزيرة العرب" فى وصف الدار والجنات المحيطة بها والفواكه التى كانت تزرع فيها "القرن الثالث الهجري": "ومن مآثر اليمن ضهر، وهو موضع فيه وادٍ وقلعة ومصنعة منسوب كل ذلك إلى " ضهر بن سعد"، وهو على بعد ساعتين من صنعاء أو أقل، وفى هذا الوادى نهر عظيم يسقى جنتى الوادي، وفيه ألوان من الأعناب وغراسه من البياض والسواد والأحمر الملاحى والأطراف والنواسى والزيادى والفارسى والجرشى والعيون والضروع والقوارير والسيسبان والرومى والنشائى والدوالى والأمعر والدربج والرازقى وغير ذلك، وبه من أصناف الخوخ : الحميري، والفارسي، والخلاسي، وبه التين والبلس، والكمثرى الذى ليس فى أرض مثله، يقول ذلك من يفد إلى صنعاء من الغرباء والأجاص والبرقوق والتفاح الحلو، والتفاح الحامض واللوز والجوز والسفرجل والدارياج والرمان والورد والشقائق والرتم".

كما يصف "الهمداني" الطريقة التى كانت تروى بها أراضى الوادي، حيث كانت تسقى أو تروى البساتين من أسفل الوادى حتى أعلاه الأول فالأول، وكانت تسقى الأراضى الزراعية والبساتين بتلك الطريقة حتى ولو كان أصحابها مهاجرين، أو حتى كانت الأراضى غير مزروعة، وكان القائم على سقاية بساتين وأراضى الوادى يلقب بـ "الدائيل"، وهو الذى كان يقوم بخلع غروس البساتين التى يخالف أصحابها الطريقة المتبعة فى رى أراضى وبساتين الوادي.

كما يتحدث "الهمدانى عن نهر كان يشق الوادى والذى يسميه "نهر الوادي"، والذى كان ضعيفاً فى أيام الجاهلية ولكن وقعت زلازل أدت إلى غزارة مياهه، ويروى عن بعض أهل الوادى -كما يورد الهمداني: "أن منابع هذا النهر تقع فى جبل حضور ويخرج من أسفل ريعان وأعلى ضهر ـ أى أن منابعه تأتى من جبل حضور شعيب ـ، ويضهر فى أسفل ريعان وهو وادٍ وقرى تـقـع شمال غرب العاصمة صنعاء، ويضهر بغزارة بعد ذلك فى أعلى الوادي"، ويروى "الهمداني" عن محمد بن أحمد الأوسانى قوله: "إنما أتى نقصانه لمّا هدم سد ريعان، وكان ماؤه "لذوى جهيف بن ذى مأذن"، يحبس الماء فيغزر هذا الغيل، وقد نقص من زروعه وكرومه لمّا نقص الغيل ما كان بعلمان – أى لم يعد يصل إلى علمان – وهى قرية وجبل فى أسفل وادى ضهر، ونقصت عشرة أنواع من الكروم – أى انقرضت ولم تعد تزرع".

أعجوبة معمارية

تتكون دار الحجر من سبعة طوابق ويمكن الوصول إليها من باحة مكشوفة تم رصفها بالأحجار وتنتصب إلى اليمين من بوابة السور المحيط بالدار شجرة عملاقة من أشجار "التالوق"، يصل محيط جذعها إلى أكثر من ثلاثة أمتار، ويقدر عمرها بأكثر من سبعة قرون.

تتكون الدار من 35 غرفة موزعة على مختلف الطوابق وهى عبارة عن دواويين ومناظر وصالات وقد صممت السلالم داخل الدار بشكل فنى وإبداعى متميز ومرتبطة ببعضها البعض من فوق الصخرة حتى أسفلها.

وتوجد فى الجانب الجنوبى للدار شرفة مخفية بها أحواض صغيرة يقال أن الجوارى كنا يقمن بغسل الملابس فيها كما توجد مخازن فى باطن الصخرة ولها أبواب متصلة إلى البساتين المجاورة بالإضافة إلى دهاليز عليها عمدان وعقود فى منتهى الجمال والروعة.. كما توجد على الجبال المطلة والمحيطة بالدار العديد من القلاع المخصصة للحراسة.

كما توجد فى باحة القصر جناح خاص منفصل عن القصر يسمى "الشذروان" يحتوى على مقيل صيفى فخم له ساحة كبيرة محاطة بنوافذ خشبية، و ثلاث نوافير للمياه, كما تحتوى الباحة كذلك على العديد من المرافق التى كانت تستخدم لأغراض مختلفة ولتوفير الرفاهية المطلوبة مثل المطابخ والحمام البخارى وغيرها من المرافق إلى جانب مبنى الدار الأساسى الذى يتكون من جناح للاستقبال وعدد من الغرف الصغيرة المساحة فى الدور الأول وعبر سلم يبدو للزائر وكأنه منحوت فى الصخر يقود للدور الثانى حيث يتوجد العديد من الكهوف التى يقال أنه كانت تستخدم فى الأزمان العابرة لحفظ جثث الموتى المحنطة وهى تعود لبقايا القصر السبئى الذى شيدت الدار على أنقاضه..

كما هو الحال مع البئر التى تخترق الصخر إلى باطن الأرض بعمق 180 مترا والتى كانت تستخدم لتوفير المياه لسكان القصر ويجمع الكثير ممن زاروا الدار على أن هذه البئر تضاف إلى أعجوبة القصر نفسه وتوازى قناة البئر قناة أخرى تستخدم للتهوية تلتقى بالقناة الأصلية بعد مسافة 50 مترا.

أما الأدوار الثالث والرابع للقصر فقد خصصت كمسكن خاص بالإمام وحاشيته ونسائه وتنفصل الأجنحة المخصصة للرجال عن تلك المخصصة للنساء وقد تم تخصيص سلمين لذلك الغرض يقود كل منها إلى جناح.

وكذلك الأمر بالنسبة للدور الخامس غير أن الدور الخامس يحتوى على مخزن لحفظ الحبوب. أما الدور السادس من القصر الذى احتوى على شرفة خاصة للحمام الزاجل الذى كان يستخدم فى المراسلات من والى الملك فهو مخصص للملك حيث كان يستقبل زواره أو يختلى بنفسه وخصوصا فى فصل الصيف على العكس من الدور السابع الذى خصص لفصل الشتاء وقد روعى عند تصميم القصر أن يتم وضع التقلبات المناخية والفصول بالحسبان من خلال حسابات هندسية وفلكية دقيقة برع بها المعماريون اليمنيون منذ القدم.

ومن المعالم البارزة فى وادى ضهر "قلعة دروم" وهى قلعة واسعة الرأس تطل على الوادى كانت بها قصور الملك وقصور لحاشيته، وتوجد ساحة فى قصر الملك مربعة الشكل طولها "عشرة أذرع" لاستقبال الأقيال "جمع قيل وكانوا يعدون بمثابة مستشارين للملك" وفيها مقاعد لكل قيل بحيث يكون خلف كل قيل رجلان يقوم على رأس القيل شاهران سيفيهما وكل منهما يقف على رجل واحدة، كما توجد ساحة مستطيلة الشكل بطولى "عشرة أذرع" فى "سبعة أذرع"، ويرجح بأن بين تلك القصور كان يوجد معبداً لوجود بقايا آثـار إلى جانب المقابر التى نحتت فـى الصخور أسفل القصر.

ويصف الهمدانى قلعة وادى ضهر بالقول: "وأما قلعته فهى حصن يسمى " دورم " واسعة الرأس مطلة على هذا الوادي، وكان فى هذه القلعة "قصور" الملك منها قصر يسمى "ريدان" أيضاً غير "ريدان - ظفار"، وقصور لحاشيته، فرأيت فى قصر منها ساحة مربعة يدور بها دكاكين من البلاط تكون البلاطة طول "عشرة أذرع" فيها قطوع لمقاعد الأقيال إذا طلبوا الوصول بالملك، وعلى جانبى كل مقعد قطعتان أرفع من المقعد لمقام الرجلين اللذين يقومان على رأس القيل مصلطى سيفهما، كل واحد قائم على فرد رجل، وكان فى مثل ذلك كثير فى قصور اليمن، وفى وسط الساحة بلاطة "عشرة أذرع" طولاً فى "سبعة أذرع" عرضاً يقال لها "الرخامة" محمولة من بلدٍ ناءٍ، لأنها لا تشاكل حجارة ذلك الموضع، فإذا أراد الملك أن يضرب إنساناً أكبه عليها ويضربه بالعود فيقطعه.

كما يتحدث الهمدانى عن بيوت منحوت فى الصخر كانت توجد حين زار المنطقة فى القرن الثالث الهجرى وليس لها أثر اليوم حيث يقول فى ذلك: "وفيها من البيوت المنحوتة فى الصخر فى جوانب القلعة ما ليس فى بلد، وكأن هذه البيوت خروق: نواويس لموتاهم، وهم فيها إلى اليــوم، وقد رأيت جثثهم فيها ما يزيد على أهل عصرنا وما هو مثلها، وأكثرهم قد صاروا عظاماً متناصلة، إلا أنها صلاب فما كان منها حديث فعظمهُ ودك، وما كان قديماً فعظمهُ أبيض، وقد بقى من أكفانهم ما كان من جليل الكتان".


اتمنيى ان تنال اعجبكم المعلومات

ويعجبكم المكان

منقووووول